الطعام شيء أساسي بالحياة يختلف من زمن إلى زمن بل من جيل إلى جيل وذلك بسبب التطورات التي تحدث في كل عصر. فكما تحدثت في مقالي السابق عن الديانات القديمة وكانت قصصهم مشوقة دعوني أعرفكن على الطعام عند الشعوب القديمة كيف كان؟ وماذا كان يأكل الحكام والعبيد قبل آلاف السنين؟
لقد واجه العلماء والباحثين في التاريخ الصعوبات في تعقب الكتابات القديمة لمعرفة موقفهم تجاه الطبخ وأنواع الطعام. ولاسيما أن الكتابات القديمة اتصفت بصعوبتها. إلا أن العلماء نجحوا في الوصول إلى معلومات مهمة استناداً إلى أدلة أدبية وتراثية وعن طريق التخمين. فاختلاف الطعام يكون باختلاف الطبقة الإجتماعية، إذا لم يأكل الفلاحون ما يأكله رجال الدين والملك، ولقد قلنا رجال الدين لما كان لهم مكانة عظيمة كمكانة الدين في تلك العصور. فلقد كان هناك فرقا شاسعاً في أنواع الطعام وعدد الوجبات في اليوم، مثال على ذلك اعتبرت الحنطة والشعير من أهم المأكولات وينظر إليها علامة تحضر بعكس اللحوم والحليب فلقد اعتبروها أطعمة غير متحضرة وذلك لاعتماد البدو والبرابرة عليها. وبعد ذلك أثر نظام ملكية الأراضي على الطعام فلقد أصبحت لحوم الحيوانات غالية جداً ومتوفرة فقط لمن يملك أرضاً ويربي حيواناته في مزرعته الخاصة. وكان الأغنياء يتمتعون في اصطيادهم كنوع من الهواية الرياضية، لكن بعد ذلك مع النقص في الطرائد البرية توجه البدائيون للاعتماد على الزراعة فلقد كانت توفر فائض لهم يحفظونه في مخازن ليحموها من السرقة ويستخدمونها وقت الحاجة. ونتيجة لذلك تحول البدائيون إلى مزارعين مستقرين وتشكلت المدن والقرى ومن ثم الحضارات.
لم يقف الاختلاف بين الأغنياء والفقراء لهذا الحد بل وصل إلى الأدوات المستخدمة في الأكل والطهي فلقد كانت تزين موائد الأغنياء بالصواني الفضية والذهبية بينما تزين أواني الفقراء بالخشبيات والفخار.
عادات الطعام قديماً:
بالنسبة للمشروبات اعتمد أغلب أهل مصر وبلاد الرافدين على شرب الجعة يومياً، والأغنياء منهم من كان يشرب الخمر هذا بالإضافة للرومان والإغريق الذين فضلوا الخمر على الجعة، وذلك باستثناء الرومان الفقراء.
أما التوابل فكانت غالية الثمن وتستورد بكميات قليلة، لاستخدامها في العطور والأدوية مثل الزنجبيل، القرفة، جوزة الطيب باستثناء الفلفل الأسود الذي استخدمه الرومان بكميات كبيرة أما الإغريق قد استخدموه بكميات قليلة.
أما عن السكر فلم يعرف إلا بالقرن الرابع قبل الميلاد واستعمل كدواء لسنين طويلة، لذلك استخدمت الشعوب القديمة العسل والتين والعنب والتمر لتحلية الطعام، أيضاً كانت أطباقهم تفتقر إلى اليقطين والشوكولا والطماطم والبطاطا لأنها لم تكن موجودة تلك الأيام.
المشوق عندما تعرف أن بعض الأطعمة التي نستخدمها في وقتنا الحالي لم تكن بنفس الهيئة قديماً. فالخس كان مراً وطويلاً أما الجزر الحلو البرتقالي فكان له ألوان قوس قزح من البنفسجي والأحمر والأصفر ثم الأبيض كانت أطعمتهم أكثر مرارة. ولقد أرجع الباحثين سبب ذلك الى أن شكل القارات تغير عند دخول الماء وفصل القارات عن بعضها مما أدى إلى خروج الآبار والأنهار ذي الماء الحلو مما أدى للتغير في الأطعمة.
أما فيما يخص عدد الوجبات فكانت وجبة الفطور الأكثر شيوعا" وهي بقايا من عشاء الأمس، ووجبة الغداء سريعة وذلك لانشغال الناس بالأعمال، وأما وجبة عشاء الأغنياء فكانت حفلات كبيرة مليئة بأنواع الطعام والشراب.
أما عن حضارة بلاد الرافدين فلقد جمعت مزيجاً من السومريين والآشوريين والبابليين فلقد نقلو هذا المزيج للدول الأخرى. وامتدت بلاد الرافدين لتشمل أجزاء من تركيا وإيران والشام فلقد اعتمد على الحنطة والشعير وكانت التمور نوع من الفواكه بجانب التفاح والعنب والتين. و اعتمد بالخضار على الثوم والبصل واللفت والخيار. أما بالنسبة للأسماك فقاموا باختراع تقنيات لحفظه كالتمليح، التجفيف أو جعله مخلل ولقد كان محرماً على الكهنة. واشتهرت بلاد الرافدين بحبهم للحم الأغنام والماعز أما لحوم الأبقار كانت تخصص للحفلات والمعابد. ولقد اعتبرت الأفران الحجرية واحدة من أشهر الإنجازات للسومريين حيث طوروها وأصبحوا يخبزون فيها الخبز. ومن المعتقدات الدينية لسكان لبلاد الرافدين أن للآلهة احتياجات مثل البشر لذلك حظي ملوكهم والآلهة بأربع وجبات يومياً مثلهم مثل طبقة الأغنياء أما الفقراء كان لديهم وجبتين فقط، لأجل ذلك أخرجت القصور والمعابد مبدأ الضرائب حتى تستطيع سد التكاليف، وكانت أنواع الضرائب هي الحبوب ،حيوانات ومواد غذائية أخرى. كان يأكل الملك والكهنة أولاً ثم يقومون بتوزيع ما تبقى من الطعام على المقيمين في القصر الملكي وأبنية المعبد.
نرى في هذا المقال شيئاً شيق يربط ديانات الشعوب بطعامهم فكانوا يحرمون ما يريدون ويحللون من الأطعمة ما يشتهون ، يفرقون بين الأغنياء والفقراء حتى في طعامهم إلى أن جاء الإسلام وخلصهم من العبودية.